فصل: عزل سعد بن أبى وقاص عن الكوفة وتولية الوليد بن عقبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عثمان بن عفان **


 الفصل الثالث‏:‏ كتب عثمان بن عفان ـ رضي اللَّه عنه ـ

  كتب عثمان

‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590‏]‏‏.‏

ـ1ـ كتابه إلى عماله‏:‏ ‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590‏]‏‏.‏

كان أول كتاب كتبه عثمان إلى عماله‏:‏

‏"‏أما بعد، فإن اللَّه أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، و لم يتقد إليهم أن يكونوا جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة و لم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة، فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء‏.‏ ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين وفيما عليهم فتعطوهم مالهم وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم، ثم العدو الذي تنتابون فاستفتحوا عليهم بالوفاء‏"‏‏.‏

ـ2ـ كتابه إلى أمراء الأجناد ‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 591‏]‏‏:‏

وكان أول كتاب كتبه إلى أمراء الأجناد في الفروج‏:‏

‏"‏أما بعد، فإنكم حماة المسلمين وذادتهم، وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا بل كان عن ملأ منا‏.‏ ولا يبلغني عن أحد منكم تغيير ولا تبديل فيغير اللَّه ما بكم ويستبدل بكم غيركم‏.‏ فانظروا كيف تكونون فيما ألزمني اللَّه النظر فيه والقيام عليه‏"‏‏.‏

ـ3ـ كتابه إلى عمَّال الخراج‏:‏ ‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 591‏]‏‏:‏

كان أول كتاب كتبه إلى عمَّال الخراج‏:‏

‏"‏أما بعد، فإن اللَّه خلق الخلق بالحق فلا يقبل إلا الحق‏.‏ خذوا الحق وأعطوا الحق به‏.‏ ‏[‏ص 50‏]‏ والأمانة الأمانة ولا تكونوا أول من يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم‏.‏ والوفاء الوفاء ولا تظلموا اليتيم ولا المعاهد فإن اللَّه خصم لمن ظلمهم‏"‏‏.‏

ـ4ـ كتابه إلى العامة‏:‏ ‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 591‏]‏‏.‏

وكان كتابه إلى العامة‏:‏

‏"‏أما بعد، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالإقتداء والإتباع فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم فإن أمر هذه صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم‏:‏ تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن فإن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏"‏الكفر في العجمة فإذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا‏.‏

هذه أربعة كتب كتبها عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في أول خلافته، وقد أوصى عماله برعاية شؤون المسلمين والذميين، وأن لا يقصروا همهم على جباية الأموال لئلا يرهقوا العباد وينسوا أول واجب عليهم، وهو العدل بين الرعية، وأمر أمراء الأجناد في الفروج أي الثغور بأن يتبعوا أوامر عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ، وأن لا يحيدوا عنها‏.‏ ثم أنه شدَّد على عمال الخوارج بأخذ الحق والتمسك بالأمانة والوفاء، وأوصى باليتيم والمعاهد خيرًا، وهذه كلها من تعاليم الإسلام وفضائله‏.‏

وعثمان أول خليفة زاد الناس في أعطياتهم مائة وكان عمر يجعل لكل نفس منفوسة ‏[‏منفوسة‏:‏ أي مولودة‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ نفس‏.‏‏]‏ من أهل الفيء في رمضان درهمًا في كل يوم، وفرض لأزواج رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ درهمين‏.‏ فقيل له‏:‏ لو صنعت طعامًا فجمعتهم عليه‏؟‏ فقال‏:‏ أُشبع الناس في بيوتهم‏.‏ فأقر عثمان الذي كان صنع عمر وزاد فوضع طعام رمضان، فقال‏:‏ للمتعبد الذي يتخلف في المسجد وابن السبيل والمعترّين من الناس‏.‏

 عزل سعد بن أبى وقاص عن الكوفة وتولية الوليد بن عقبة

‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 476‏]‏‏.‏

لم تطل ولاية سعد على الكوفة فعزله عثمان وولى بعده الوليد بن عقبة والسبب في عزل سعد هو أنه استقرض من عبد اللَّه بن مسعود ‏[‏هو عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس، الهُذَلي، أبو عبد الرحمن، صحابي، من أكابرهم فضلًا وعقلًا وقربًا من رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، كان خادم رسول اللَّه الأمين، وصاحب سرّه ورفيقه في حلِّه وترحاله وغزواته، يدخل عليه كل وقت ويمشي معه‏.‏ نظر إليه عمر يومًا وقال‏:‏ وعاء مليء علمًا، ولي بعد وفاة النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بيت مال الكوفة، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها نحو ستين عامًا، كان قصيرًا جدًا، يكاد الجلوس يوارونه، كان يحب الإكثار من التطيّب، فإذا خرج من بيته عرف جيران الطريق أنه مرَّ، من طيب رائحته‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ الإصابة ج 4/ص 129، الاستيعاب ج 1/ص 359، أُسد الغابة ج 3/ص 256، تذكرة الحفاظ ج 1/ص 12، البداية والنهاية ج 7/ص 162، شذرات الذهب ج 1/ص 38، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 100، سير أعلام النبلاء ج 1/ص 331، صفة الصفوة ج 1/ص 154، غاية النهاية ج 1/ص 458، البدء والتاريخ ج 5/ص 97، حلية الأولياء ج 1/ص 124، تاريخ الخميس ج 2/ص 257، البيان والتبيين ج 2/ص 56، المحبّر ص 161، تهذيب الكمال ج 2/ص 740، تهذيب التهذيب ج 6/ص 27، تقريب التهذيب ج 1/ص 450‏.‏‏]‏ من بيت المال مالًا فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر ‏[‏ص 51‏]‏ عليه فارتفع بينهما الكلام حتى استعان عبد اللَّه بأناس على استخراج المال، واستعان سعد بأناس على استنظاره فاقتربوا وبعضهم يلوم بعضًا‏.‏ يلوم هؤلاء سعدًا ويلوم هؤلاء عبد اللَّه‏.‏

عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ كنت جالسًا عند سعد وعنده ابن أخيه هاشم بن عتبة ‏[‏هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، صحابي، خطيب من الفرسان، يلقب بالمِرْقال، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص، أسلم يوم فتح مكة، ونزل الشام بعد فتحها، أرسله عمر مع ستة عشر رجلًا من جند الشام مددًا لسعد بن أبي وقاص في العراق، شهد القادسية، أصيبت عينه يوم اليرموك فقيل له الأعور، وفتح جلولاء، وكان مع علي بن أبي طالب في حروبه، تولى قيادة الرَّجَّالة في صفّين، قتل في آخر أيامها سنة 37 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ ذيل المذيل، الأخبار الطوال، رغبة الآمل ج 3/ص 115، معجم ما استعجم، نسب قريش، وقعة صفّين، مرآة الجنان ج 1/ص 10‏.‏‏]‏ فأتى ابن مسعود سعدًا فقال له‏:‏ أدِّ المال الذي قِبَلك‏.‏ فقال له سعد‏:‏ ما أراك إلا ستلقى شرًَّا‏.‏ هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ أجل واللَّه إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة‏.‏ فقال هاشم‏:‏ إنكما لصاحبا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينظر إليكما‏.‏ فطرح سعد عودًا كان في يده وكان رجلًا فيه حدة ورفع يديه‏.‏ وقال‏:‏ اللَّهم رب السماوات والأرض‏.‏ فقال عبد اللَّه‏:‏ ويلك قل خيرًا ولا تلعن‏.‏ فقال سعد عند ذلك‏:‏ أما واللَّه لولا اتقاء اللَّه لدعوت عليك دعوة لا تخطئك‏.‏ فولى عبد اللَّه سريعًا حتى خرج، وكان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة‏.‏

غضب عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ على سعد وعلى ابن مسعود بسبب هذه المشادة فعزل سعدًا ولم يعزل ابن مسعود، بل أقره واستعمل الوليد بن عقبة، وكان عاملًا لعمر على ربيعة بالجزيرة، فقدم الكوفة، فلم يتخذ لداره بابًا حتى خرج من الكوفة‏.‏

ولعل القارئ يعجب لماذا أقر عثمان ابن مسعود ولم يعزله‏؟‏ فنقول إن عبد اللَّه بن ‏[‏ص 52‏]‏ مسعود لما كان غلامًا كان يرعى أغنام عقبة بن أبي معيط ‏[‏هو عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس، من مقدمي قريش في الجاهلية، كنيته أبو الوليد، كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر وقتلوه، ثم صلبوه، وهو أول مصلوب في الإسلام، قتل سنة 2 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ الروض الآنف ج 2/ص 76، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 27‏.‏‏]‏، وكان إسلامه قديمًا، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فهو راعٍ لعقبة بن أبي معيط ـ والد الوليد ـ أي أنه من أتباع بني أمية، وكان عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ بعثه إلى الكوفة معلمًا ووزيرًا، ثم إن ابن مسعود لم يكن واليًا حتى يعزله عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ، بل كان وزيرًا للمالية‏.‏

أما الوليد الذي خلف سعدًا فهو أموي، أخو عثمان لأمه، أسلم يوم الفتح، ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 6‏]‏ نزلت في الوليد بن عقبة وذلك أن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بعثه مصدقًا إلى بني المصطلق فعاد وأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعوا الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه يتلقونه فهابهم، فانصرف عنهم، فبعث إليهم رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ خالد بن الوليد ‏[‏هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، المخزومي، القرشي، سيف اللَّه الفاتح الكبير، الصحابي، كان من أشراف قريش في الجاهلية، يلي أعنة الخيل، شهد مع مشركيهم حروب الإسلام إلى عمرة الحديبية، أسلم قبل فتح مكة هو وعمرو بن العاص سنة 7 هـ، فسرَّ به رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وولاه الخيل، ولمَّا ولي أبو بكر وجَّهه لقتال مسيلمة ومن ارتد من أعراب نجد، ثم سيَّره إلى العراق سنة 12 هـ، ففتح الحيرة وجانبًا عظيمًا منه، وحوَّله إلى الشام وجعله أمير من فيها من الأمراء‏.‏ ولمَّا ولي عمر عزله عن قيادة الجيوش بالشام وولى أبا عبيدة بن الجرَّاح، فلم يثن ذلك من عزمه، واستمر يقاتل بين يدي أبي عبيدة إلى أن تمَّ لهما الفتح سنة 14 هـ، فرحل إلى المدينة، فدعاه عمر ليوليه، ومات في حمص في سوريا، وقيل‏:‏ بالمدينة سنة 21 هـ‏.‏ كان مظفرًا خطيبًا فصيحًا، يشبه عمر بن الخطاب في خَلْقه وصفته، قال أبو بكر‏:‏ عجزت النساء أن يلدن مثل خالد‏.‏ روى له المحدثون ثمانية عشر حديثًا، وأخباره كثيرة‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ الإصابة ج 1/ص 413، الاستيعاب ج 2/ص 427، تهذيب الكمال ج 1/ص 366، تقريب التهذيب ج 1/ص 219، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 285، الكاشف ج 1/ص 275، تاريخ البخاري الكبير ج 3/ص 136، الجرح والتعديل ج 3/ص 1607، لسان الميزان ج 2/ص 389، أُسد الغابة ج 2/ص 109، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 124، طبقات ابن سعد ج 7/ص 479، سير الأعلام ج 1/ص 366، البداية والنهاية ج 7/ص 113، شذرات الذهب ج 1/ص 15، الثقات ج 3/ص 101، صفة الصفوة ج 1/ص 268، تاريخ الخميس ج 2/ص 247، ذيل المذيّل ص 43‏.‏‏]‏ فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ونزلت‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 6‏]‏ ‏[‏ص 53‏]‏‏.‏

لما قدم الوليد على سعد قال له‏:‏ واللَّه ما أدري أَكِسْتَ ‏[‏أَكِسْتَ‏:‏ يقال رجل أَوْكَس أي خسيس أو قليل الحظ‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ وَكَسَ‏]‏‏.‏ بعدنا أم حمقنا بعدك‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ ‏"‏لا تجز عن أبي إسحاق فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون‏"‏‏.‏ فقال سعد‏:‏ ‏"‏أراكم واللَّه ستجعلونه مُلكًا‏"‏‏.‏ وكان الوليد من رجال قريش ظرفًا وحلمًا وشجاعة وأدبًا، وكان من الشعراء المطبوعين‏.‏

قال الطبري ‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 595‏]‏‏:‏ فقدم الوليد في السنة الثانية من إمارة عثمان، وقد كان سعد عمل عليها سنة وبعض أخرى فقدم الكوفة، وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم، فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب‏.‏

وحدثنا أبو فرج الأصفهاني في الجزء الخامس من الأغاني عن سبب تولية الوليد الكوفة فقال‏:‏

لم يكن يجلس مع عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ على سريره إلا العباس ابن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب والحكم بن العاص والوليد بن عقبة، فأقبل الوليد يومًا فجلس، ثم أقبل الحكم‏.‏ فلما رآه عثمان زحل ‏[‏زَحَل‏:‏ أيّ تَنحَّى‏]‏ له عن مجلسه فلما قام الحكم قال له الوليد‏:‏ واللَّه يا أمير المؤمنين، لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت عمك على ابن أمك‏.‏ فقال له عثمان رضي اللَّه تعالى عنه‏:‏ إنه شيخ قريش، فما البيتان اللذان قلتهما‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏

رأيت لعم المرء زُلْفَى قرابة *** دون أخيه حادثًا لم يكن قدمًا

فأمَّلْتُ عَمْرًا أن يَشِبّ وخالدًا *** لكي يدعواني يوم مزحمة عمّا

يعني عمرًا وخالدًا ابني عثمان‏.‏ فرق له عثمان وقال له‏:‏ قد وليتك العراق ـ يعني الكوفة ـ اهـ‏.‏ ولا يصدق إنسان يعرف مكانة عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ أنه ولى الوليد الكوفة بعد أن أنشده هذين البيتين إرضاء له‏.‏

 نقض أهل الإسكندرية الصلح

‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 594، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 476‏.‏‏]‏ ‏(‏سنة 25 هـ/ أواخر سنة 645 م‏)‏‏:‏ جاء في دائرة المعارف البريطانية أنه بعد استيلاء العرب على الإسكندرية بقليل، انتهز ‏[‏ص 54‏]‏ الروم فرصة تغيب عمرو بن العاص ‏[‏هو عمرو بن العاص بن وائل بن أشم بن سعيد بن سهم، أبو عبد اللَّه، السهمي، القرشي، المتوفى سنة 43 هـ، أسلم في عام الحديبية، وهو واحد من عظماء العرب ودُهَاتهم وأولي الرأي والحزم والدهاء‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب التهذيب ج 8/ص 66، تقريب التهذيب ج 2/ص 86، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 90، الكاشف ج 8/ص 10، تاريخ البخاري الكبير ج 3/ص 165، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 330، الجرح والتعديل ج 6/ص 200، الثقات ج 3/ص 120، الاستيعاب ج 3/201، أُسد الغابة ج 4/ص 330، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 314، الإصابة ج 4/ص 515، سير الأعلام ج 3/ص 6، طبقات ابن سعد ج 9/ص 77، البداية والنهاية ج 8/ص 96، أسماء الصحابة الرواة ص 110، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 123، جمهرة الأنساب 215‏]‏ وارتحال جزء كبير من جيشه‏.‏ فاستولوا على الإسكندرية‏.‏ فلما بلغ عمرو بن العاص ذلك عاد سريعًا واستولى على المدينة، وهذا يوافق ما جاء في ابن الأثير‏.‏

كان استيلاء الرومان على الإسكندرية في أوائل سنة 25 هـ وأواخر سنة 645 م وكان عمرو بن العاص استخلف على الإسكندرية عبد اللَّه ابن حذافة ‏[‏هو عبد اللَّه بن حذافة بن قيس السهمي القرشي، أبو حذافة، صحابي، أسلم قديمًا، بعثه النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إلى كسرى، هاجر إلى الحبشة، وقيل‏:‏ شهد بدرًا، أسره الروم أيام عمر، ثم أطلقوه، شهد فتح مصر، توفي بها أيام عثمان سنة 33 هـ، كانت فيه دعابة وله حديث‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب التهذيب ج 5/ص 185، إمتاع الأسماع ج 1/ص 308، حسن الصحابة ص 305، المحبّر ص 77، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 87، الجمحي ص 196‏]‏‏.‏ قال الأستاذ بتلر‏:‏ ‏"‏وعلى كل حال فمن المؤكد أنه قد عزل قبل نزول الجيش الروماني إلى البر، وأن خلفه لم يكن كفًا فترك وسائل الدفاع في حالة ضعف شديد‏"‏‏.‏

أما رواية الطبري ‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 594‏]‏ فتفيد أن عمرو بن العاص كان قد استدعي إلى مكة، فلما ذاعت أخبار الثورة في الإسكندرية صدرت الأوامر إليه بتولي القيادة‏.‏

وجاء في تاريخ كامبردج للقرون الوسطى ‏[‏تاريخ كامبردج للقرون الوسطى ج 2/ص 35‏.‏‏]‏ ما يؤيد استدعاء عمرو بن العاص بعد عزله وتولية عبد اللَّه‏.‏

كاتب الروم قسطنطين بن هرقل ‏[‏هو ابن هرقل الثاني ملك الروم‏]‏ ـ وكان الملك يومئذ ـ يخبرونه بقلة من عندهم من ‏[‏ص 55‏]‏ المسلمين ـ وكانوا ألف جندي ـ وبما هم فيه من الذلة وأداء الجزية، فبعث رجلًا من أصحابه يقال له‏:‏ ‏"‏أمنويل‏"‏ Emanuel The Eunuchفي ثلاثمائة مركب مشحونة بالمقاتلة ـ ولم يكن للمسلمين أسطول كالأسطول الروماني‏.‏ وقد رست هذه المراكب في ميناء الإسكندرية بلا إنذار، فقتل حرس الإسكندرية من المسلمين ـ ويبلغون ألفًا ـ ولم ينج منهم إلا القليل‏.‏ ولم يقتصر الجيش الروماني على الاستيلاء عليها، بل توغلوا في البلاد والقرى المجاورة في أرض الدلتا واستولوا على الغلال والأموال بلا حساب، وعاملوا الأهالي معاملة الأعداء المحاربين‏.‏

كان العنصر الروماني في الإسكندرية هو السائد، ويرى الأستاذ بتلر أن الجيش الروماني لو استمر في زحفه إلى الفسطاط بدلًا من ضياع الوقت في بلاد الدلتا، لكان في وسعه التغلب على عبد اللَّه بن أبي سرح ‏[‏هو عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح القرشي، العامري، من بني عامر بن لؤي، من قريش، فاتح أفريقية، فارس بني عامر، من أبطال الصحابة، أسلم قبل فتح مكة، وهو من أهلها، وكان من كتَّاب الوحي، كان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح مصر، ولي مصر سنة 25 هـ، بعد عمرو بن العاص، فاستمر نحو 12 عامًا، اعتزل الحرب بين علي ومعاوية في صفَّين، توفي بعسقلان فجأة وهو قائم يصلي سنة 37 هـ، وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاع‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ أُسد الغابة ج 3/ص 173، ابن إياس ج 1/ص 26، الاستقصاء ج 1/ص 35، معالم الإيمان ج 1/ص 110، ذيل المذيّل ص 31، تاريخ الجزائر ج 1/ص 317، الروض الآنف ج 2/ص 274، ابن عساكر ج 7/ص 432، البداية والنهاية ج 7/ص 250، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 114، النجوم الزاخرة ج 1/ص 7‏]‏ وإعادة حصن بابليون، ولكنهم لم يقدموا على ذلك وبذا مكنوا عمرو بن العاص من إعادة مركزه وتنظيم جيشه اهـ‏.‏

سار عمرو في خمسة عشر ألفًا، والتقى بالجيش الروماني الذي يفوقه عددًا بـ ‏"‏نقيوس‏"‏، فالتحمت بينهم الحرب، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وأصيب جواد عمرو بن العاص بسهم فنزل واضطر أن يحارب على قدميه، وانتهى الأمر بانهزام جيش ‏"‏أمنويل‏"‏ وفراره نحو الإسكندرية في حالة ارتباك عظيم، فتحصنوا بها، فقاتلهم عمرو أشد قتال، ونصب المجانيق فأخذت جُدُرَها، وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة، وقتل أمنويل وهدم المسلمون جدار الإسكندرية، وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك‏.‏ ووضع عمرو على أرض الإسكندرية الخراج، وعلى أهلها الجزية، وبذلك استولى العرب للمرة الثانية‏.‏ ويقول الأستاذ بتلر‏:‏ ‏"‏إن ذلك كان صيف سنة 646 م‏"‏ ‏[‏ص 56‏]‏‏.‏

روى البلاذري عن يزيد بن أبي حبيب ‏[‏هو يزيد بن أبي حبيب واسمه سويد، أبو رجاء، الأزدي، ثقة، فقيه، للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب الكمال ج 3/ص 1531، تهذيب التهذيب ج 11/ص 318، الكاشف ج 3/ص 275، الجرح والتعديل ج 9/ص 1122، تاريخ الإسلام ج 5/ص 184، الثقات ج 5/ص 546‏]‏ قال‏:‏ ‏"‏كان عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر وجعل عليها عبد اللَّه بن سعد، فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرًا حتى يفرغ من قتال الروم، لأن له معرفة بالحرب رهيبة في أنفس العدو حتى هزم الخ‏"‏‏.‏

وقد أخطأ مؤرخو العرب فقالوا‏:‏ إن المقوقس كان حيًَّا في هذه الغزوة والحقيقة أنه كان قد مات منذ زمن طويل، كما قرر الأستاذ بتلر، وقد أدرك البلاذري خطأ وجود المقوقس في ذلك الوقت فقال ما نصه‏:‏

‏"‏وروي أن المقوقس اعتزل أهل الإسكندرية حين نقضوا فأقره عمرو ومن معه على أمرهم الأول، وروي أيضًا أنه كان قد مات قبل الغزاة‏"‏‏.‏

والحقيقة أن بنيامين كان بطريركًا وزعيمًا للوطنيين المصريين فظن المؤرخون أنه المقوقس، وهذا خلط في الحوادث والتواريخ، وقد كانت وفاة المقوقس في 21 مارس سنة 642 م ‏[‏كامبردج القرون الوسطى ج 2/ص 351‏]‏ على ما جاء في تاريخ كامبردج للقرون الوسطى‏.‏ أما الأستاذ بتلر فيؤرخ وفاته 14 يوليه سنة 642 م‏.‏ ولم يكن البطريرك بنيامين موجودًا في الإسكندرية عند دخول الروم، ويظن أنه هرب، لكنه على كل حال بقي مواليًا للعرب، ولم ينقض صلحهم، بل الذي نقضه الروم‏.‏

كانت نتيجة نقض الإسكندرية الصلح أن استولى عليها العرب مرة ثانية، وقتلوا الروم، ولم يكن هناك سبب واضح لنقض معاهدة الصلح، فما فعله الإمبراطور كان مخالفًا للقوانين الحربية، كما قال الأستاذ بتلر، ولا يوجد ما يبرره فلا غرو إذا عامل العرب الثائرين بالشدة، ثم إن عمرًا بعد أن أخضع الثوار في الإسكندرية ذهب لإخضاع المدن التي ثارت في الدلتا‏.‏ ولما تمَّ له ذلك أرسل الأسرى إلى المدينة فأعادهم عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ‏.‏

وكان الروم لما خرجوا من الإسكندرية قد أخذوا أموال أهل تلك القرى من وافقهم ومن خالفهم، فلما ظفر بهم المسلمون جاء أهل القرى الذين خالفوهم فقالوا لعمرو بن العاص‏:‏ إن الروم أخذوا دوابنا وأموالنا، ولم نخالف نحن عليكم، وكنا على الطاعة‏.‏ فرد عليهم ما عرفوا من أموالهم بعد إقامة البينة هذا ما ذكره ابن الأثير وأشار إليه الأستاذ بتلر معترفًا بفضل المبادئ التي ‏[‏ص 57‏]‏ سار عليها عمرو في إدارة حكومته وبشرف طبيعته، وكان أهل هذه القرى المذكورة الذين تظلموا لعمرو من الروم أقباطًا‏.‏